مقالات

استخدام الجهاز مقابل فهم بنيته

قد نستخدم الكمبيوتر ولكن ليس بالضرورة أن من يستخدمه يعرف المنطق الذي بني به ووحداته الأساس وكيف تركبت…كلام معروف، فماذا بعد؟

عندما ننشأ داخل نظام معرفي معين، سواء كان في العلوم التطبيقية كالفيزياء، أو النظام الفقهي في مذهب ما أو طائفة ما أو حتى المذهب العقدي، وننخرط في الدفاع عنه واستعماله لإنتاج الإجابات والقرارات، فليس من الضرورة أننا واعون لكيفية بناء مقدماته والمنطق الذي وقف خلفها ومدى سلامته..

نحن حين نستخدم هذا الجهاز المعرفي نفكر به فقط، أي نتبنى مسلمات لم نختبرها نحن، ولكن فقط وثقنا في من وضعها، وبالتالي ندور داخل حلقة تفكير ومبررات مصممة سلفًا…

لذلك قلما يستطيع غالب الناس مناقشة مذاهبهم واتجاهاتهم، لأن التعليم التلقيني يتم لبناء ذات مشبعة بالوثوقية، وتقوم بالدفاع عن المذهب أو الاتجاه، لا لفحصه والتأكد من سلامته…

قليل من الناس من يستطيع أن يحول المنهج الذي تربى عليه إلى موضوع للتفكر والنقد بدل أن يفكر به ويحميه..

لقد استمر العالم يتبع المنطق الأرسطي مثلاً أكثر من ألف عام، وتشكل العالم في عقول أهل العلم في قوالب أرسطو وبطليموس حتى استطاعت الثورة الكوبرينيكية أن تفحص المنهج، وتقلب المعادلة، فتغير مصير العالم…

تحويل الأجهزة المعرفية إلى موضوع للبحث أمر دونه خرط القتاد، لأنه يواجه جدر الوثوقية والإطلاق، وما الصراعات والسجالات التي نشهدها على السطح إلا صدى لتلك الأجهزة المعرفية التي لم تتعرض للفحص والمسائلة …

الخلاصة: لا يمكن إحداث تقدم في مجتمعاتنا إلا بالبحث في أجهزتنا المعرفية التي تختفي تحت كل صراعاتنا وانقساماتنا وآلامنا، ولكننا نخاف من فحصها أو الاقتراب منها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى