سلسلة الأنساق القرآنيةمقالات

البناء المجتمعي كنسق قائم على النسق القرآني

لا زلنا في حديث حول الأنساق القرآنية التي تندرج في النسق الكلي للقرآن، وسنتلمس هنا أول رؤية كلية مهمة في ترابط مفهوم الإنسان والعمران والجنان من خلال طرح نموذج البناء المجتمعي.

حين نفحص واقع المجتمعات العالمية الناجحة منها والفاشلة، سنجد نموذج أولي متشابه قاعدته من ثلاثة طوابق، هي العقاند والتصورات الحاكمة تليها طبقة الطقوس والعبادات، وتعلوها طبقة الأخلاق والسلوك.  فوق هذا البناء وبحسب سلامته سيقف البناء السياسي والاقتصادي والتعليمي والاجتماعي والصحي…وفي قمة البناء: نظام الدفاع ونظام الحقوق، وكل ذلك يفترض أنه يحقق نمو الإنسان والعمران، وإن كان بصبغة الله ضمن له الجنان …وصحة التصور في قاعدة البناء هي ضمانة صحة العمران وتحصيل الجنان.

ووجود الأفكار العظيمة في أي أمة كنص مكتوب لا تعني سواء الفهم واستقامة الضمير، ولذلك توالت الرسالات وحركات الاصلاح في البشرية، فكلما طال الزمن على أمة إلا واعتراها الانحراف، وتداخلت المفاهيم وطال التغير حتى النصوص الأصلية.

ولكن مشروع القرآن والإنسان تولى الرحمن حفظه ومنع عنه طيش الإنسان وانحرافاته فبقي على مدى الزمن مسطرة نقيس بها ما اعوج من الأفهام وما سقط من المفاهيم .

والأمة الإسلامية وإن حفظ كتابها ولكن فهمها يبقى عرضة لمآلات القصور والاعوجاج، وهي لا تكتشف سوء الفهم إلا بمعيار واقعها ومدى صلاح إنسانها وقوة بنيانه بالمقارنة بغيرها من الأمم.

وحال الأمة لا يخفى من الضعف على مستوى الإنسان والعمران، ولذلك لزم أن نعود إلى النبع الصافي لنرى أين وقع الخلل وأين ساء الفهم.

ونحن في رحلتنا سنفحص أعمق المفاهيم القرآنية: مفهوم الخالق جل جلاله، ومفهوم الكون، ومفهوم الموت والحياة، ومفهوم الإنسان والعقل بغرض إعادة بناء الفهم في العقل أولاً، ولتصح بقية الأبنية التي تقف عليه فمفهوم العبادة الفاعل والخلق الفاضل والتعايش والتساكن في أي مجتمع، والتعايش بين المجتمعات المختلفة رهن بصلاح الفهم .

وتحقق العمران لا يتم إلا بصلاح عقل الإنسان وروحه وبهما يستحق الجنان ووعد النعيم الأبدي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى