التاريخ كما هو والتاريخ كما نتمنى
كل أمم الأرض ترسم عن نفسها صورة زاهية ومتسقة تظهر محاسنها وتخفي عيوبها بغرض بعث العزة والفخر بين أبنائها…لكن التاريخ ومدونته إذا قرأت أحداثه قد لا يتطابق مع تلك الرؤية…ومن هنا تبدأ محاولات التبرير والحجب والتمرير…
فهل هناك علاقة بين عظمة أي أمة وبين مثالية تاريخها وخلوه من العيوب؟
الحقيقة أن تاريخ كل الأمم هو خط مزدوج من الإنجاز والفشل. فكل أمة تستطيع أن ترى مثالب الأمم الأخرى ومناطق إخفاقها ولكن الصعوبة أن تعترف بمناطق إخفاقها هي.
والإخفاقات الأخلاقية هي الأخطر حين تفترق مسطرتها القيمية عن ممارساتها في الحروب و التطاحن السياسي…فتأتي جرائم الإبادة والإحراق واستباحة الإنسان لتنقض ادعاء المثال والمبدأ..
والتاريخ الحديث والقديم شاهد على تلك الفواجع التي أثبتت فشل المنظومات الأخلاقية الدعائية أمام اختبار الواقع ومدونة التاريخ كاشفة..
وأشد أنواع الظلم هي الحروب الداخلية بين ذوي القربى والأرحام والتي تصل لحدود الإبادة والاستئصال في بيئات يفترض أنها قيمية أو متدينة..
هذا يقودنا إلى طريقة كل أمة في الاعتبار من تلك الفواجع، فالبعض يحوله لموضوع للمدارسة العميقة واستخلاص الدروس الكبرى لصالح المستقبل، والبعض يحيطها بشبكة الحماية لمنع الاقتراب منها، والبعض يحاول إزالتها من الوعي باعتبارها تهديدا للمثال..
الخلاصة: لا توجد أمة بدون فواجع والاعتراف بها ودراستها أفضل طريقة لبناء أمة ناضجة لا تكرر فواجعها، والهروب من مدارستها ضمانة لتكرارها ولو بعد حين، أما محاولة إخفائها فمحكوم عليها بالفشل نظراً لتطور تقنية المعلومات.