الشلل الحضاري
غياب التصور الكلي للحياة بأبعادها الثلاثة: الإيماني والعبادي والعمراني قاد إلى حالة الشلل الحضاري الذي تعاني منه الأمة اليوم…، كلام مكرر، لكن ماذا يعني عملياً؟؟؟
نموذج غياب التصور الكلي حين تصاب به أي أمة، يظهر في العبارات الدارجة والسلوكيات الظاهرة، ولا يحتاج إلا إلى انتباه يسير، لأبسط حواراتنا. مثلا..
رجل متعلم قارب التقاعد من المتعلمين، وأهل الاستقامة، يقول لك: “أنا أخطط لما بعد التقاعد”، تقول له: “رائع، ما خطتك؟”، يقول: “التفرغ للعبادة”، تقول له: “ممتاز، بم تفكر؟” يقول: “الصلاة والعمرة وحفظ القرآن”، تقول: “أنا أعرف أنك مكثر منها أصلا”، يقول: “لا، سأركز الآن” ؟؟؟؟
تسأل سؤالا بسيطا: هل هذا ما فعله الأكابر: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وأشباههم؟ هل انقسمت عندهم الحياة بهذا الشكل في تصور الدين..؟ أم توحد الفعل الكلي إيمانا وعبادة وإصلاحاً للأوضاع في رحلة حياتهم..؟
هؤلاء قادوا حياة واحدة اتحد فيها الإيماني بالعبادي بالعمراني بدون تعارضات… فالخباز في مخبزه…، والمقاتل في جبهته، والصانع في مصنعه، والعالم في مختبره، كلهم مؤمنون عباد يعمرون الأرض…
هذا الفهم المغلوط أوجد الإنسان المستقيل من الفاعلية الحضارية، فدوره محدود بسقف مخياله للدين والتدين..، فهو لا يسأل عن مجالات العمران التي سيساهم فيها؟ والتي تحتاج لكل البشر في المجتمع…، بل يطلب خلاصا فرديا فيما يظنه فهما دينيا سوياً..
تقزم مفهوم ارتباط الدين بوقف الفساد، ووقف سفك الدماء، وإقامة العدل في الكون، وبسط الرحمة للوجود … إلى تصور البر والإحسان في أدنى درجاته قتل الفاعلية الحضارية القصوى…
هكذا تولد مجتمعات الضعف والهوان…، بسبب تقزم المفاهيم والتصورات…، وإلى أن تولد كتلة حرجة من البشر، الذين يرون الدين كما يصفه القرآن، ويضرب أمثلته من البشر، لا من الصور التي يعرضها الوعاظ..، فميلاد الأمة مشروع مؤجل…
قامة الأمم من قامات مفاهيمها الكبرى، وسقوف تقدمها تولد في مخيلة وتصورات أفرادها..، فإن تشوهت، أو تقزمت، ولدت الإعاقات…