التحدي والاستجابة قانون تخضع له الحضارات والأمم، فهناك أمم تعرضت لتحديات أكبر من طاقتها، فانزوت وخرجت من نطاق الفاعلية. وهناك أمم نجحت في العودة الحضارية، وهناك أمم تصارع للعودة الحضارية… رحلة أمة الإسلام للخروج من انكسارها الحضاري توالت منذ مطلع القرن المنصرم، وجربت حلول كثيرة لم يكتب لها النجاح .
فمن مطالب الإصلاح السياسي مع الأفغاني، لإصلاح التعليم مع عبده، لإصلاح الإدارة مع خير الدين التونسي، لفكرة تقليد الغرب مع الطهطاوي، لفكرة إحياء التراث مع رشيد رضى، لفكرة الدولة للبنا، لفكرة الجهاد العالمي مع القاعدة وداعش، مرورًا بفكرة الدولة الوطنية والقومية والإسلامية.
لقد قاد ذلك الضعف المزمن في كيان الأمة لاقتسامها على يد القوى الاستكبارية في العالم والتي تقدمت ماديًا وعسكريًا، ثم عملت على احتكار القوة والثروة، ومعها تقرير مصائر شعوب المنطقة فشكلت الدول واصطنعت الحدود..
وبهذا التفوق أعطت نفسها الحق في إنشاء دولة اسرا…ئيل…وأعطت كل الضمانات لبقاء هذا الكيان على حساب سكان الأرض الشرعيين…ومن يومها أصبح ذلك الصراع بين أصحاب الحق ومغتصبيه هو المحك لاختبار العودة الحضارية لمجمل الأمة…
عنوان فلسطين والقدس أصبح الامتحان الأكبر للطاقة الحضارية في الأمة…لم تخمد جذوة الحماس في فلسطين ولم تنس أجيال الشباب رغم الصوارف البوصلة …
بقيت فلسطين في القلب ولكن الحلم الكبير لم يرافقه تصور استراتيجي شامل يقود الصراع، فخرجت دول الطوق من مشروع التحرير تباعًا فلم تنجز مشروعًا وطنيًا ولا قوميًا، وربما انقلبت للضد…
وألقي العبء على أهل فلسطين، فحملوه بثقله فحموا القضية من الاندثار بأرواحهم وأموالهم…ومرت جولات وجولات بين رأس الحربة العلمية الغربية ممثلة في اسرا … ئيل وبين أهل الأرض…
والجولة الأخيرة ليست استثناء، لكنها ستأتي بإيجابياتها وسلبياتها، وهي ليست آخر المحطات، فالبحث عن الوسيلة الذهبية التي تعيد الحق إلى نصابه في عالم يعج بالظلم والمعايير المزدوجة ليس يسيرًا…
فالأعداد لمثل تلك المهمة يحتاج إلى عقل كلي يرى العالم كرقعة الشطرنج، ويعلم أن التمركز المالي والسياسي ونسج عالم العلاقات والمصالح شرط للنجاح في مهمة التحرير، وأن قوة السلاح تستند لمجتمعات يزدهر فيها العلم والمعرفة والبحث…
الإيمان بالله والثقة بوعده مقرونة بإحسان العمل، وطول النفس سيراكم الخبرة بالمسارات المنتجة، وإن طال الزمن والبحث عن المفتاح الذهبي للخروج من المأزق ..فالخروج مسار وليس نهايات.