قصص آخر الزمان

مع تصاعد التحديات التي تواجه الواقع الإسلامي المعاصر، يبرز التعلق المتزايد بأحاديث المهدي والملحمة الكبرى كنوع من البحث عن “أمل خارق” أو خلاص قدري، يُستخدم كوسيلة للتعويض النفسي والهروب من وطأة الواقع. هذا النمط من التفكير يُعرف في علم النفس بـ”الخلاص بالوكالة”، حيث يُعلَّق الرجاء على قدوم منقذ يضع نهاية للعجز الجماعي بشكل فوري. وغالبًا ما تُنتج الفتن الطويلة هذا النوع من الخطاب.
يتردد صدى هذا العجز في أصوات كثيرة: “نحن في آخر الزمان”، “اقتربت الساعة”، “ظهرت علامات النهاية”، أو “سنة كذا ستحل المشكلة قدريًا”، وهكذا يُعاد إنتاج الروايات التاريخية وإسقاطها على الحاضر. في هذا السياق، لا يكون للمنطق والعقل والعلم مكان، بل يصبح الهدف تفريغًا عاطفيًا لا أكثر.
وفي ظل غياب العقل العلمي والتفكير النقدي، ينقلب الدين إلى تنجيم ديني أو إلى سينما مستقبلية تُبقي الإنسان في حالة انتظار دائم، عوضًا عن أن يكون مشروعًا عمليًا مفتوحًا على المستقبل. وهكذا، يُختزل الدين في سرديات النهاية، بينما هو في جوهره مشروع تأسيسي للنهضة والعمل. نظرة واحدة إلى كتاب الله تكفي لإدراك أن الدين مشروع لم تكتمل حلقاته بعد، وأن الرسالة ليست نهاية بل بداية، تتطلب جهدًا طويلًا ومراكمة مستمرة لتحقيق العدل وبسط الرحمة في الأرض.
تأويل أحاديث آخر الزمان بطريقة تكرّس العجز وتؤدي إلى القعود بدل السعي، داء خطير. ففي الوقت الذي تناضل فيه الأمم لتصنع مستقبلها وتصارع أقدار الله بأقدار الله، نجد أنفسنا مصطفين في طوابير الانتظار، أسرى لوهم الخلاص المؤجل.
لكن الدين بريء من هذا العجز، بل هو دعوة للعمل والمبادرة، كما في قوله تعالى: “وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون” (التوبة: 105)، وكما في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: “اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل.”
الخلاصة: إن شعرت بالعجز وقلة الحيلة، فلا تُلصق ذلك بالدين، بل بوساوس الشيطان، وابتعد عن المنجمين ولو لبسوا لباس الدين، فإنهم باعة أوهام لا أكثر.