معارك المصطلحات
الإنسان أمام عالم معقد فكلمة “شجرة” مصداقها في الواقع آلاف الأنواع من الأشجار التي تجتمع تحت مفهوم واحد وهو ” شجرة”، وبالتالي حين نقول كلمة “شجرة” في جملة فنحن نحيل على ملايين الأشجار دون تعيين، فلعبة العقل في نحت المفاهيم وإشعارنا بالراحة باختزال الواقع المعقد تحت عنوان واحد، لعبة خطرة ولكن لا غنى عنها.
فنحن نعرف أن اللغة عملة زائفة، ولكن هي الطريق الوحيد الذي نمسك به بالوجود من حولنا ونتحدث عنه.
نحن نحدث أنفسنا من خلال المفاهيم والمصطلحات، ونخاطب غيرنا ككائنات تتبادل الأفكار، هكذا اعتبر البعض أن عالم الإنسان هو عالم لعبة الكلمات.
لكن ما قيمة هذا الموضوع؟
الحرية والعدالة والإيمان والكفر والتنوير والرجعية والشيوعية والرأسمالية والحداثة، كلها مصطلحات تداولية لا غنى عنها بين البشر، ولكنها في ذات الوقت تحمل معها مخاطر عدم التميز بين المفهوم الذهني والمصاديق المحتملة في الواقع.
فكلمة مثل الرأسمالية أو الإسلام أو الحرية، قد يطلقها شخص قاصدًا بها أمر حميد، وقد يعارضها آخر لأنه فهم منها مصداق آخر في الواقع يراه غير حميد، وبدون فحص وتعريف القائل لمراده لا يتحدد أي المصاديق قصد، وتلك أول آفات الحوارات.
تسميم البئر
أما ثانيها فمن درّسنا المفهوم قد يكون مارس “عملية تسميم البئر”، فقبل أن نفحص المعاني المحتملة للمصطلح، نكون قد اتخذنا موقفًا نفسيًا من المصطلح ومن ذكره، وبالتالي بنينا موقفنا على البئر المسممة التي صنعها لنا المدرس الأول.
فالإسلام يمكن تسميم بئره بربطه بالإرهاب والتطرف، فحيثما ذكر برز المعنى المسمم، والحرية تسميم بئرها بربطها بالفوضى الجنسية، وهكذا كل مصطلح يمكن تسميم البئر التابع له فيتوقف العقل عند المياه المسممة.
إذن عند التعامل مع المصطلحات، افحص المصداق في الواقع الذي تحيل عليه، لينضبط الحوار، وثانيًا احذر من مسممي الآبار فهم كثر، وهو التكنيك الأكثر استخدامًا عند المدرسين المؤدلجين، حيث وظيفتهم هي تقيد العقل لا تحريره.