مغالطة الظل والنور

على خشبة المسرح، يتم تعتيم القاعة بأكملها بينما يُسلَّط الضوء على شخصية واحدة، فتتوجه أنظار الجمهور نحوها، وتنصبّ العواطف عليها، حتى يغيب عن وعيهم ذلك الجزء الأكبر من المسرح الغارق في الظلام. هذه هي مغالطة الظل والنور، وهي ليست مجرد خدعة مسرحية، بل قاعدة تتحكم في كثير من جوانب حياتنا.
قد يقدّم كاتب سيرة شخصية معينة فيبرز محاسنها، ويركّز على إنجازاتها، بينما تبقى صفحات الجرائم والأخطاء مطوية في الظل، فلا يراها القارئ. قد يحكي شخص عن لحظة انهيار الدولة، وعن المبادرات الشعبية لحفظ الأمن في الأيام الأولى، لكنه يتجاهل السنوات التي تلت وما جلبته من فوضى ومعاناة في سبيل استعادة الاستقرار.
وقد يأتيك آخر ليخبرك أن تلاوة آية معينة أو دعاء محدد سيجلب لك الرزق والشفاء كما حدث له، لكنه ينسى أن هناك ملايين يقرؤون القرآن كاملاً ويدعون ليل نهار دون أن يحدث لهم ما يزعم. آخرون يروّجون لأيديولوجيات معينة باعتبارها الحلّ الأوحد لمشكلات العالم، متجاهلين كل تجارب تطبيقها وما آلت إليه من نتائج كارثية.
نحن نعيش في عالم مفتوح، حيث يعرض كل فرد بضاعته في سوق الأفكار، يحجب ما لا يخدم روايته أو يستخفّ به. وسط هذا الصخب، من الضروري أن نطرح السؤال الأهم: ماذا ترك القائل في مساحة الظل؟
التغلب على وهم الانبهار ببؤرة الضوء والسلطة المعنوية للأشخاص لا يكون إلا بالوعي بالمشكلة، وامتلاك معيار موضوعي يستقرئ الصورة الأشمل. فكل عمليات الاحتيال، سواء الفكرية أو العملية، تعتمد على تحويل الانتباه إلى نقطة معينة لصرف الذهن عن حقيقة الحدث المخفية في الظل.
إن سحرة الأفكار كثر، ولعبة الظل والنور من أكثر الأدوات استخدامًا في تشكيل الوعي الجماهيري. لذلك، كن يقظًا، واطرح دائمًا السؤال عن المسكوت عنه في الرواية والمشهد، فلعلّك بذلك تنجو.