التراث وإشكالاته الكبرى
الحاجة للبحث في هذا الموضوع الهام، لا يعدلها شي، فعقارب الساعة تتسارع، والأحداث تزداد وتيرتها، وكلها تشير العصر جديد قادم، وافتتاح هذا العصر المطلوب، هي بنت الإطلال على ما خلفه الزمن في فضائنا من معيفات وتخليص فضائنا الفكري من تلك المعيقات، وهو المقدمة الطبيعية لتحرير عالم العلاقات ومن ثم عالم المشاريع المتعثر في عالمنا العربي والإسلامي
فعالمنا العربي وربما الإسلامي الأرحب مسكون بأزمات السطح مثل: الفقر والجهل والمرض والحروب، فعالم المشاريع الكبرى في السياسية والاقتصاد والاجتماع والصناعة والزراعة والتجارة، هو الأكثر تخلفا في العالم، ومن تحته عالم علاقات بينية، يسوده الاحتراب، فلا تكاد تجد مجتمعا لا تنخره أمراض الحزبية والجهوية والطائفية والمذهبية، وفي العمق عالم أفكار يفتقد المنطق القويم يعيش على الشعارات والأفكار غير المجرورة.
سؤال التجديد ما زال هو الأقوى بين كل الأسئلة المطروحة، فمع مرور قرن وكيف على طرح السؤال، والذي يمكن التاريخ له مع بداية ضعف الدولة العثمانية، وتفاقم مع حملة نابليون بونبارت على مصر (1798)، مرورا بكل المصلحين من أمثال: جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده والكواكي وخير الدين التونسي، إلى المعاصرين، ولا زال السؤال مطروحا، لأنه لم يستنفذ معطياته ومبررات وجوده، وفي هذا السياق، تناثرت الكتابات والمؤتمرات لمحاولة التشخيص ورسم طريق المستقبل
وهذا الكتاب، محاولة أخرى لبحث ذات الموضوع، ولكن من خلال رؤية تراكم العوامل المنتجة للمشهد الحالي، واللي في الغالب شائر في كتابات كثيرة، ومحاولة العرض جانب من أهم الجهود القائمة لفك شفرة هذه التحديات وإيجاد العلاجات لها.
والكتاب يهدف لتوفير أرضية سريعة للقارئ حول أخطر العوائق التي تحول دون بلوغ الأمية غاياتها من خلال معطيات الدين … وبيان أن الدين بوصفه معطى خاما لا يعمل في الواقع، إلا من خلال أفهام الناس، وأن هذه الأفهام عرضة لثلاث مشاكل كبيرة، هي: المعطيات السياسية والمعطيات الاجتماعية وقصور مناهج البحث، فالمعطيات السياسية الضاغطة على وعي وقضاء العطاء الفكري تعمل على تحجيم النشاط المعرفي المشكل للوعي الجمعي، وبالتالي ففضاء أسئلة الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية منطقة خطرة للتداول، ويفضل الكثيرون الابتعاد عنها بسبب المخاطر التي تُحيط بها، والمعطيات الاجتماعية ومعارف كل عصر، تجعل التقاليد والأفهام عناصر ضغط شديد على المشتغلين بالفكر والوعي، وبالتالي يتم صب المنظومات المفتوحة القرآنية لكل عصر، في وعي عصر محدد، فتكتسب شكله… أما قصور مناهج البحث، فالمنهج بوصفه نحتا بشريا، وآلة للتواصل مع النص ومع الواقع، فكل قصور فيه سيعني بالضرورة قصورا في المنتج، وهذا المنتج عندما يعامل باعتباره منتجا لكل العصور، دون الوعي بأن المناهج، أو الآلة التي نزن بما هي عرضة لقصور مؤكد، بحكم كونها منتجا بشريا، فالبشرية كلما تطورت في المناهج، كلما دقت قدرتها على وزن الأمور، فلو بقيت المكابيل والموازين كما هي، لما أمكننا قياس النانو اليوم
والكتاب رتب بفصل تمهيدي كتوطئة المعرفة علاقة البحث بإنتاج عصر جديدة وبيان مفهوم العصر الجديد، وتبعه فصل ثان، لبيان أثر التاريخ، وعلاقته بالأسئلة المؤجلة التي ما زالت عالقة في فضاء الأمية، ثم فصل ثالث جوهره بيان أوجه القصور، واحتمالات التجديد في فضاء العلوم الإسلامية بوصفها مناهج، وبوصفها منتجات، وكل هذه المنتجات هي اليوم بقدر ما تشكله من روافع للعمل، فهي أيضا تشكل بقصورها جزء من عوائق كبيرة، تحول دون التصدي لتحديات هذا العصر ومتطلباته.