جيوبولتيك – عندما تتحدث الجغرافيا
هناك ثلاثة مستويات نحتاج أن نمايز بينها عند قراءة هذا الكتاب حى تتضح الصورة للقارئ، ويزول عنه بعض اللبس الذي يحدثه تداخل المصطلحات، وخاصة ونحن نتكلم عن الجغرافيا وبعض فروعها التي تعنينا في هذا الكتاب، كالجغرافيا السياسية والجيوبوليتك.
ولنقف أولا مع الجغرافيا العامة كمصطلح، وهو علم دراسة الأرض وما يتعلق بها كالتضاريس والمناخ والتربة والنبات والحيوان والسكان، والموارد البشرية والموارد الطبيعية، وحن ننظر إليها سنجدها تنقسم إلى قسمين مهمين :
الأول: هو الجغرافيا الفيزيائية، ويندرج فيها دراسة قشرة الأرض ودراسة المياه على سطح الأرض وتحته، ودراسة الغاف الجوي المحيط بالأرض وعلاقته بها، ودراسة التربة وتكوينها، ودراسة الحياة النباتية والحياة الحيوانية على الأرض.
الثاني: هو الجغرافيا البشرية )المجتمع البشري وعلاقته بالأرض( في جوانبه السكانية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وحن نتطرق لجوانبه السياسية
سنجد أنفسنا أمام فرعين مهمين:
- الجغرافيا السياسية، وهي تدرس الدولة باعتبارها الوحدة السياسية المنظمة الي تخضع لحكومة، وبالتالي علاقة تنظيمها وسيادتها، وعلاقة الجزء الحكومي بالمدني.
- والجيوبوليتيك، وهو الجزء الذي يدرس علاقة الدولة بمحيطها المحلي والعالمي، وعلاقة ذلك بتحركاتها وسياستها الخارجية، ونظريات هذا الفرع وعلاقتها بتنظيم المشهد الدولي.
ورغم أن كثرا من الناس لا يجد المتعة في دراسة الجغرافيا نتيجة الخرة السالبة مع طرق التدريس التقليدية، نؤكد على أن دراسة الجغرافيا ممكن أن تجمع الفائدة والمتعة معا، وعندما نقول الفائدة فنحن نعي الكلمة تماما، ولننظر للقضايا التالية:
- فمعرفة كيفية صناعة القرار الدولي وتحركات القوى العالمية على المسرح، ومصائر الدول يرتبط ارتباطا وثيقا بالجغرافيا السياسية، وخاصة منظور الجيوبوليتيك.
- المنطقة العربية تعاني اليوم الأمرين جراء السياسات العالمية. فقد تم تشريد الملاين من أبناء الشعب العربي، وتعطلت عمليات التنمية، وخاضت المنطقة حروبا مدمرة وما زالت في دائرة النزاع العالمي، ولا يمكن فهم المنطقة ومستقبلها دون دراسة الجيوبوليتيك.
- والصراعات الدولية لم تعد اليوم شأنا محليا، فهي تلقي بظلالها على كل العالم. فهي تعيد صياغة العالم باستمرار ، وتعيد تنظيم توزيع القوى العسكرية والقوى الاقتصادية والتحالفات وفهمها لا يكون مستقيما إلا بفهم الجيوبوليتيك.
- الدولة القطرية اليوم لا تستطيع أن تعيش عالمها وتحمي نفسها وترتب أوراقها وتحالفاتها وتحصل على احتياجاتها من العالم دون فهم بنية الصراعات وعلاقتها بالجغرافيا.
أما المتعة في دراستها فسنجتهد أن نكسر الرتابة بمقاربات حية تعيد رسم المشهد بطريقة قابلة للتذكر ومحفزة للقراءة. والكتاب هو الثامن في سلسلة إعداد قادة النهضة. فنحن قد رسمنا في الكتاب الأول )من الصحوة إلى اليقظة( صورة المشهد الذي يجب أن نغادره، والمشهد الذي يجب أن نسعى إليه، وشكلنا صورة للمستقبل المرغوب والذي سيعكس بداية الدخول لدورة حضارية جديدة. وفي الكتاب الثاني وهو )قوانن النهضة( سطرنا عشرة قوانن للتقدم، وسلطنا الضوء على أهم ما يجب أخذه في الاعتبار عند عملية الإقاع الحضاري بالمجتمع. وأتبعنا ذلك بكتاب)فلسفة التاريخ( وشرحنا فيه أهم ما يجب تذكره من نظريات طرحها مفكرو النهضة ،وتعنينا في مسرتنا.
ثم أتبعنا ذلك بكتاب )الذاكرة التاريخية( وهو يشرح المفصل الذي توقفت عنده الحضارة الإسامية، وأسباب التوقف مقارنة بأسباب الإقاع الأوروبي في المقابل. ثم تبع ذلك كتاب )التفكر الإسراتيجي( لنرسم به تصورا عن دور الفكر الإسراتيجي في صناعة النهضات. وتبع ذلك كتاب ) قواعد في الممارسة السياسية( لنتجاوز به المقاربات النظرية التاريخية، ونضع به أمام الراغبن في خدمة الأمة وصناعة مستقبلها قواعد مبسطة لمتخذي القرار السياسي، وطريقة حساب التحركات السياسية. وأتبعنا ذلك بكتاب)خطوتك الأولى نحو الاقتصاد( لنتناول الاقتصاد الكلي، وفهم العالم وأفكاره الاقتصادية بطريقة بسيطة، وهو أمر ضروري للعاملن بمشروع نهضة الأمة.
وبذلك نكون قد رسمنا الرؤية ووضعنا أسس التفكير في الواقع. وها نحن نستكمل بعض أسس التفكير في الواقع من خلال النظر لدور الجغرافيا في تشكيل القرار السياسي، وهو بُعد في غاية الأهمية لمعرفة العالم كما سيتضح من قراءة هذا الكتاب.
والكتاب قُسّم على قسمين: يعتي القسم الأول بالمقدمات النظرية للعلم ووضعه في سياق حركة العالم عر التاريخ. والقسم الثاني ينظر في موضوع الجيوبوليتك، وما يتعلق بالمنطقة العربية ومحيطها الإسامي من تصورات واحتمالات.