مقالات

الحوارات البينية

الحوارات البينية

مشاكلنا في الحوارات البينية كثيرة، ليس أقلها عدم تحديد الموضوع أو شيوع المغالطات المنطقية، لكن هذا أهون من مقاربة أي حوار ليس لفهم وجهة نظر الآخر والفائدة المتبادلة، ولكن لبدء معركة، فغرض المداخلة تفريغ شحنة غضب لا أكثر، ولا أقل.

فالمتدخل هنا لا يقدم استفسارًا، ولا وجهة نظر مغايرة، ولكن غرضه بيان غضبه عبر التهجم، والتهكم، والمقاطعة، وهو يستهلك طاقته، وطاقة غيره، لا لتشكيل قيمة مضافة، وخلق تفاهمات عامة، ولكن لخلق مناطق نزاع، وإن لم تكن موجودة إلا في عقله!

لكن في المقابل البشر أنواع، وأولو النهى هم الأقل، ومن هنا جاءت مقولة: “من تعرض للعامة فقد تبرع بعرضه”، فما دام الحديث عامًا، فالجمهور بالضرورة فيه من هذه الشريحة التي لا تبتغي الفهم، ولا النظر، والتفكر، وتحمّلهم أمر لا مفر منه، لكن كلما تعود الناس على أجواء الحوار، وزادت الدربة، كلما زادت نوعية العقلاء، وقلت هذه الشريحة، وللزمن دوره في تنمية الحس الحواري.

وقد أثنى الله على قوم “يستمعون القول”، فالاستماع أولا بغرض الفهم عن القائل، ومن ثم أخذ أفضل ما في ذلك القول: “فيتبعون أحسنه”، وهم قوم يبحثون عن درر الحكمة، ويعلمون أنه ما من بشر إلا ويحتمل قول الخطأ بوجه من الوجوه، ولكن وجود الخطأ لا يلغي الصواب، والحق، واحتماله، وتدريب آلة العقل على المحاكمات المنتجة منذ الصغر، هو الضمانة الكبرى لمجتمعات تستفيد من الحوار لخلق مجتمعات أكثر رشدًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى