مقالات

العنف وأشكاله

العالم يشهد موجات عنف صادم منذ وجد الإنسان على ظهر البسيطة: (يفسد فيها ويسفك الدماء)

في غابر الأزمان كانت تلك الصور المروعة محدودة بأطراف النزاع، بينما لا يستشعر بقية البشر تلك الزلازل إلا إذا دهمتهم.

اليوم ومع حضور التقنية، أصبح الخبر مهما صغر حاضراً في كل بيت، وبالتالي فدوائر الفزع أصبحت عظيمة.

والعنف الذي نشاهده نوعان: أحدهما: عشوائي، ووليد انفعالات فردية، والثاني: ممنهج، وطويل الأمد، وضحاياه قد يبلغون الملايين.

العنف بأشكاله المختلفة، وتبريره موجود في قطاعات من كل الأمم، ورفضه، وإدانته موجود في كل الأمم.

والـيديولوجيات بأشكالها المختلفة سواء ذات الخلفية الدينية، أو الأرضية، تحتوي في داخلها ما يسمح بتوجيهها في اتجاه الخير أو الشر، ما يجعلها طبا لأمراض البشر، وما يجعلها داء مستعصيا على العلاج.

العالم يشهد موجات ترتفع، وتنخفض من العنف الأيديولوجي، خاصة عندما تتعرض مجتمعات بعينها لظلم، وجروح وجدانية غائرة، عندها تنشط الروح العدوانية كآلية دفاع، واندفاع، فتولد المآسي على مستوى الأفراد، وعلى مستوى الدول.

حين نجرد تاريخ العالم، سنجد أن العنف الممنهج كحروب الاستكبار العالمي (الاستعمار)، وحروب السيطرة الكونية: (الأولى والثانية)، لا يمكن إحصاء ضحاياها حيث إن الحرب العالمية الثانية وحدها، بلغت فيها خسائر الأرواح، ستين مليون من البشر.

لكن للمفارقة كل جرائم القتل، والعنف الظالم مدانة، ولكن روح الإنصاف تخبرنا أن الإدانة الأكبر، والوصمة الأبلغ تكون لتلك الجرائم الكبرى، والتي لا يطويها الزمن، إذا بعدت، فكيف وهي قائمة مشهودة، ومستمرة؟

فلئن كان اليهود ضحايا العنف الديني، والأيديولوجي الأوروبي المدان إنسانيا، فلماذا يتم تقبله حين يطال الفلسطينين مثلا…؟ ولماذا تتم تغطيته في سوريا رغم بشاعة، وحجم الجريمة، أو في ميانمار، أو في أمريكا الجنوبية، والإنسان هو الإنسان، والجريمة هي الجريمة.

هناك مرض عضال يحتاج إلى تشخيص، وعلاج شامل، وخاصة في القرية العالمية اليوم، وهو أن تقدم آلة التدمير، وآلة التبرير، والتغطية تسبق بكثير عقلية المسؤولية عن العالم المشترك، الذي نعيش فيه، والرغبة الصادقة في حل مشاكله.

من يعلّق الجرس؟ تلك هي المشكلة التي تحتاج إلى حل…، من يسارع إلى إنشاء حلف الفضول الكوني، ليقوم الناس بالقسط؟

حين يلقي كل مجتمع، وملة، ودين عن نفسه مسؤولية البنية الثقافية، وإشكالياتها، ويعلق أوراق الإدانة على غيره…، حين يرى جرائم الغير، وقصوره، ولا يرى عيوبه، ومثالبه، ندور في دائرة مفرغة غير منتجة من التلاوم.

حين نركز على الجزئي، والفرعي من النتائج، ونغفل عن الكبير، والمزمن من العنف، نصبح شركاء في الجريمة…، فالميزان المختل للعدالة، هو أصل البلاء، فحين لا يقوم الناس بالقسط، تسيل الدماء.

التدين له أوجه متعددة، منها: تبرير العنف العدواني بالنص الديني، فالصليب رمز ديني، وإسرائيل رمز ديني، وداعش رمز ديني، وكلها ليست التمثيل الأوحد للمسيحية، أو اليهودية، أو الإسلام، فخلف تلك الصور العدوانية، يوجد ملايين لا حصر لها، تقرأ ذات الكتب، ولا تفكر في العدوان على أحد.

هذه الملايين المسالمة المغيبة من المشهد، والتي تمثل التدين في العالم، كيف يمكن استدعاؤها لتمثيل الأديان؟ كي لا تترك المشهد لرايات التطرف، ولخطاب الكراهية السائد اليوم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى