المنطقة العربية ومنطق “حقل الألغام”
لا أدري بيقين عن الأمم الأخرى، وحجم الظاهرة عندها، ولكنها عندنا هي شئ نتنفسه، شئ يقتل الإنسان والحضارة، ويصادر كل وعي، فما هو حقل الألغام؟ وكيف يعمل؟
حقل الألغام هو عبارة عن ربط شرطي سلبي بين قضيتين، بحيث لا يتم استدعاء أي منهما، إلا وتبرز صورة الآخر ، وهو سلبي لأنه يُقصد منه إجهاض الفكرة الأولى… ربما نحتاج مثالا لتقريب الصورة!
الإسلام مشروع عظيم للإنسان، وفيه كليات، وقيم، وتشريعات تحتاج إلى جهد لمقاربتها، والاستفادة منها، فكيف يمكن بناء حقل الألغام حوله…؟ بسيطة… تم ربطه بفكرة مكروهة عند البشر، وهي: العنف والإرهاب… وعندها ماذا يحدث…؟
عندها كلما أراد شخص أن يشرح روح الإسلام، عليه أن يمر حقل الألغام… من معالجة الإرهاب، وتبرئة الإسلام منه، إلى قضايا الاجتماع العالقة فقهيا… فلا يستطيع المتحدث الوصول إلى روح الإسلام، وجوهره ليعرضه، إلا بعد أن يكون قد استنفذ طاقته في حقل الألغام!
هكذا يتم تقزيم فكرة عظيمة في استشكال جزئي تم النفخ فيه، ليس فقط لتشويه الموضوع الأصلي، ولكن لإجهاض مجرد مناقشة الفكرة الكبرى، التي تندرج فيها هذه الجزئيات.. إذا اتضح معنى التلغيم فماذا بعد…؟
لو رجعت إلى البيئة العربية، لتتكلم عن ضرورة الإيمان بالحرية مثلا، سيخرج لك من يقول: هل تقصدون إشاعة المثلية مثلا ..؟ وعندها تتوتر الأجواء، وتقوم الدنيا، ولا تقعد.. وينتقل النقاش من مسألة كلية، تعني وجود الإنسان أو عدمه… إلى فضاء ضيق… هكذا تظهر هذه الآلية لتغلق كل حدث نافع.
وقس على ذلك الديموقراطية، والمساواة، وحقوق المرأة، والفن، والأدب، والإعلام كلها تلقى ذات المصير… يبحث العقل المغيب إلى نقل النقاش من الأرض الخصبة، إلى حقل الألغام ضامنا أن المسافر فيه لن يعود..
خطورة المسألة أن الذي يمارس (زرع الألغام)، هو ذاته شُحِن بها دون أن يدرك خطورتها، لأنها منتشرة، وتُصوره كحامٍ للفضيلة في مقابل الآخرين…
كل فكرة كبرى مثل الأديان، والقيم، ونظم الحياة، وداخل كل منها قضايا كانت، ولا زالت ليست محل اتفاق، وترك كل المساحة الخضراء الغنية، لأن هناك بقعة جرداء مصادرة، تقتل الحياة الانسانية…
مصادرة الافكار الكبرى بدعوى ان هناك مشكلة فيها، لا يمكن تحصين أي فكرة ضده، ومنها الأديان، ولكن من يمارس اللعبة، لا يدري أنه سيكون ضحيتها بعد قليل..
الخلاصة … لا تترك الحقول الغنية لمجرد أن شخصا نظر إلى متر قاحل فيها، واحذر العدوى.