كتب

قواعد فى الممارسة السياسية

لماذا الكتابة في قواعد الممارسة السياسية؟

يخلط الكثيرون بين كلمة “السياسة” على إطلاقها وبين كلمة “علم” السياسة”، فكلمة “السياسة” المختزنة في الوعي العام للجماهير – وحتى لكثير من النخب الاجتماعية – لا تساوي كلمة “علم السياسة” كأحد فروع العلوم الاجتماعية – وهو العلم الذي يتناول الظاهرة السياسية في إطار علمي، ويُضبط هذا التناول من خلال الالتزام بمصطلحاته وأبجدياته وطرق بحثه ومناهجهه المتعارف عليها بين العلماء والباحثين السياسيين؛ وإنما تعني كلمة “السياسة” العمل السياسي والممارسة السياسية والاهتمام بالشأن العام وهذه “السياسة” هي التي تلمسها في وسائل الإعلام المختلفة في الحوارات والتحقيقات والتعليقات والتحليلات التي نسمعها من النخب السياسية ومن رجل الشارع العادي. وفي إطار هذا التحديد لمدلول كلمة “السياسة” يمكن القول بأن عموم الجماهير معرضة يومياً تقريباً للتعامل “السياسة”، فلا يكاد ينجو ميدان معاش من الاشتباك مع موضوع السياسة. مع

وفي هذا السياق فإن “السياسة” تختلف عن غيرها من الفنون كونها شانا عاماً، فعلى سبيل المثال إذا أصيب المرء بمرض ما تكون الاستجابة هي “الذهاب” إلى الطبيب المختص لكون الطب علماً وفناً قائماً بذاته، وإذا ذكرت مسألة دينية تسمع مقولة ” لا أدري .. هذه المسألة تتطلب فقيها ، لكون الفقه وأصوله علما قالما بذاته، بينما في “السياسة” بجد الجرأة على التحليل والنقد، بل عمد الجرأة على الممارسة قبل أن تتوفر خلفية علمية قوية عن قواعد العملية السياسية، فبمجرد تشكل خلفية عن أحد الأحداث. السياسية تجد عموم الجماهير والمهتمين بالشأن العام يحللون ويناقشون بل ويمارسون. فأصبحت السياسة مهنة من لا مهنة له، ومجالاً مستباحاً لكل ألوان الهواة، مما خلق حالة من الفوضى والاضطراب في مجال من أخطر المجالات، خاصة أننا نلحظ تغلغل السياسة واشتباكها مع كل حياتنا، فالعالم الذي نعيش فيه هو عالم سياسي بامتياز ، إذ تتحكم السياسة في كل مفاصله.

ويمكن فهم هذه الجرأة وهذه الفوضى في إطار كون “السياسة” شأناً عاماً لا يمكن منع عموم الجماهير من إبداء آرائها أو المشاركة فيها، بل إن الحياة السياسية في الدولة المدنية الحديثة تقوم بالأساس على هذه المشاركة الجماهيرية الواسعة على المستويات المختلفة للممارسة السياسية وبإحجام الجماهير عن تلك المشاركة تصاب الحياة السياسية بالشلل.

ومن ثم لم يأت هذا الكتاب كمحاولة لتقييد الممارسة السياسية؛ وإنما كمحاولة لنقل المهتمين بالشأن العام من المشاركة السياسية اللاواعية إلى المشاركة الواعية، وهي المشاركة التي لابد أن تتعدى متابعة الأحداث التي تدور، سواء كان عن طريق تحليلها، وتفسيرها، وتقييمها، والتنبؤ بها إلى ما هو أبعد من الأحداث إلى أهم المفاهيم والقواعد التي تحكم اللعبة السياسية، (أي قواعد صناعة الأحداث).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى