وراثة الحضارات
وأنا أقرأ في النهضة الصينية وجدت ظاهرة تتماثل كثيراً مع ما ننشر، ونفعل في منطقة العلم، والمعرفة…، فأمام الحضور الغربي العلمي المتفوق، أصبحت هناك مقولة شائعة: “لقد أخذوا كل العلم من عندنا”…، كان ذلك يداوي جرحا نازفاً في الصين من جراء التخلف …
ذات الظاهرة موجودة عندنا، وبكثافة الآن: “الكثير مما يقولونه، وما يخترعونه مسروق من عندنا”، وهذه تعالج ذات الجرح النازف عندنا جراء التخلف …هي وسادة مريحة للنوم، ولكنها لا تحل المشكلة…
الحضارة الإنسانية وراثة، وليست إنشاء، وكل حضارة تأخذ ممن سبقها، سواء أشارت للمصادر، أو لم تُشر …، فاليونان أخذوا من مصر، وبابل، والرومان أخذوا من اليونان، ونحن أخذنا من الهند، وفارس، واليونان، والكل أخذ من الصين، وهكذا تتواصل الحلقات..
إنها الوراثة، والاستعارة، والتبادل، وفي كل ذلك يوجد الإنسان، والأمم، وتنازعها، وغمطها للآخرين، أو إقامة الوزن بالقسط…
الأمم ترث حضارات أخرى، وتستعير من حضارات قائمة، والكل يكافح ليكون الأفضل في زمنه، والواقع هو الذي يشهد للأكثر نفعاً، والأكثر جهداً…
أن تعرف الأمة بضاعتها العلمية، وما قدمته، فهذا أمر حسن، وأن تغمط الناس ما أضافوه، هذا أمر شائن…، فالعصور الوسطى، وما أنجزته، كان حلقة مهمة، ولكن البشرية صنعت بعدها حلقات، لا يمكن مقارنتها بمنجزات العصور الوسطى…
التقدم، والأفضلية كفاح لا ينقطع، ومهمة لا تنتهي…، وكل متوقف متأخرٌ لا محالة..، وحياتنا تبدأ من لحظة الفعل، ولو كان خطوة أولى، لا من لحظة الإدعاء، والتي قد تطول، ولا تنجب فعلا…