كتب

أزمة التنظيمات الإسلامية

كي نجعل لما نراه لغة مفهومة؟

الظاهرة الإسلامية المتحركة أمامنا في المشهد من أقصى اليمين الأقصى اليسار، تشكل جزءا كبيرا من المشهد اليوم، وهي تخوض صراعات على جميع المستويات، فمن صراعاتها الداخلية في كل حركة وحزب إلى صراعاتها البينية على احتلال مواقع المجتمع الذي تعيش فيه، إلى صراعها مع الحكومات التي تعيش في ظلها، إلى صراعاتها الإقليمية والدولية، تعاني الكثير، وتكلف من التضحيات ما لا يعلمه إلا الله، وتكلف من حولها أيضا الكثير من العناء… ومحاولة فهم هذه الجماعات يحتاج إلى مجلدات لكثرتها، وتشعب أطروحاتها، ولذلك اقتصرنا في هذا الكتاب على أهم هذه الجماعات وهي حركة الإخوان المسلمين، باعتبارها كما تعرف نفسها كبرى الحركات الإسلامية، وعلى أهم المنظرين فيها وهما: حسن البنا وسيد قطب رحمهما الله.

والحركة الإسلامية تمر في هذه المرحلة بأصعب أيامها، خاصة في مصر، فقياداتها في السجون، وشبابها في المنافي. ورغم أن ذلك ليس غريبا عليها منذ اصطدامها بالنظام الملكي في مصر مرورا بنظام عبد الناصر، مرورا بالسادات، ومن بعده حسني مبارك، إلا أنه، وفي هذه المرة، فالوضع مختلف، والصورة مختلفة، فلأول مرة تصل الحركة لموقع السلطة، وتقترب من تحقيق أمالها، وبين عشية وضحاها، تنقلب الأمور لتعود المربع الصفر مرة أخرى.

ومع هذا المسار الصعب يطرح الموضوع نفسه لماذا هذا المسار؟ وما الذي يجعل الحالة الإسلامية تصل الطريق المسدود المرة بعد الأخرى؟ والحركة في مصر ليست استثناء من إطار أوسع له نفس المفاهيم، فيوما ما ارتفعت الأمال بإقامة دولية للإسلام في القارة الهندية فانفصلت باکستان عن الهند ثم تحولت الدولة فاشلة، ثم انشقت على نفسها، فولدت مجلاديش وهي دولة فاشلة أو نوشاك، ثم حالت تجربة أفغانستان، ووصل المجاهدون إلى الحكم ثم العبارات التجربة، لتقوم تجربة طالبان ثم تنهار، ثم ولدت تجربة السودان، وانتهت إلى فشل ذريع، ثم جاءت الصومال، وانتهت إلى كارثة، ومن قبلها الجزائر . شير ما يوصل الدات النتائج، مع اختلاف كثير من المعطيات المحيطة.

وبين كل ذلك نجحت ماليزيا ونجحت تركيا في صناعة نجاحات مقدرة والتجربتان كلتاهما بننا نموذجهما على الأسس الغربية المعروفة، واعتمدت التنمية الاقتصادية كرافعة للمجتمع، وهو مسار، لم تر الحركات الإسلامية التقليدية، أنه مسار ممثل للإسلام، ومن اعتبره كذلك، فقد قبله كنوع من التحايل إلى أن يحدث التمكين، ثم سيظهر الوجه الحقيقي بحسب هؤلاء.

والكثير من الناس يسأل: ما وجه الإشكال في أفكار هذه الحركات؟ ولماذا لا تنجح؟

ونحن في هذا الكتاب، سنحاول أن نسلط الضوء على أهم الإشكالات في فكر الحركات الإسلامية، والذي يحول بينها وبين أن تكون رافعة اجتماعية للتقدم، وغرضنا من الكتاب أن تكون لهذه الإشكالات لغة تسمح برؤيتها كما هي ورؤية احتمالات التجديد والإصلاح إن رأت أن تعيد النظر في ذاتها.

والكتاب الذي بين أيدينا، هو كتاب تفاكر، وقضاياه هي أحجار عثرة في طريق تقدم الأمة، والتي إن لم نجد لها حلا، فالمخرج مما نحن فيه سيكون صعبا.. ولكن بصدق العزم، وبالمصارحة مع الذات يمكن زحزحة الأحجار، ورؤية الضوء في آخر النفق الذي نأمل أن لا يكون طويلا.

فدراسة الأفكار العامة والمقولات المنتشرة على السطح، سيقودنا لتلك البنى التنظيمية تتحرك بهذه الأفكار، والتنظيمات وأفكارها ستقودنا للمؤسسين لهذه الأفكار أو رجل الأيديولوجيا.

والكتاب على قصره هو رحلة عمر مع الكثير من القضايا، التي نراها هنا معايشة في ساحات الجامعات والمساجد وفي المحاضرات وفي الكتب هي ليست كتابة من خارج المشهد، بل كانت في عمقه وهي لا تدعي كمال الإحاطة، فلا أحد يستطيعها، ولا نهاية النقاشات فنقاش الأفكار يصطدم بقدرة الإنسان على الحجاج غير المتناهي الكتاب محاولة لتنظيم مجموعة التحديات التي تعوق التقدم أو على الأقل بعض هذه القضايا.. هو ليس نهايات القول، ولكن بدايات أولية لو أردنا السير للأمام بدلا من الغرق في الماضي، ولكن من المؤكد أننا دخلنا إلى عش الدبابير، كما يقال، ليس لأمر إلا لأنه الطريق الوحيد على الأقل في هذه المنطقة للتقدم للأمام، وقضاياه التي ناقشناها هنا، لم نناقشها إلا لأنها تؤثر على المستقبل وتعوق إشراقة يوم جديد على الأمة، لقد ذكرنا أسماء أشخاص وهيئات لا لسبب هنا إلا لأنهم لا يزالون يؤثرون في الحاضر، أما هم بأشخاصهم أو جمعياتهم فهم ليسوا موضع اتهام، فالعقلية الموروثة تجعل نقد الأفكار هجوم على الأشخاص والهيئات، فتلك هي الطريقة الوحيدة التي تفهمها للهروب من قضية التفكر، والتي هي مهمة هذا الكتاب.

وتقسيمة الكتاب تقوم على فصلين وخاتمة، فالفصل الأول هو عن قضايا السطح المتداولة بين المهتمين بالفكر الإسلامي، وهي قضايا ملتبسة يلزم تفكيك بنيتها لرؤيتها، بشكل يسمح بمعالجتها… والفصل الثاني هو في فكر الحركات الإسلامية المؤسس، وخاصة عبر رؤية أطروحة البنا وسيد قطب، والتي تأثرت بهما أغلب الحركات الإسلامية المعاصرة بطريقة أو بأخرى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى